لم يمض شهر على تصريحات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، التي قال فيها إن بلاده لن تعيد اللاجئين إلى بلدانهم، وأن تركيا ستواصل إبقاء بابها مفتوحاً أمام الأشخاص المظلومين، حتى برزت مواقف حكومية جديدة بحق اللاجئين السوريين، إلى جانب تصريحات لأحزاب موالية لها، اعتُبرت انقلاباً على التصريحات السابقة، ومؤشراً يستدعي القلق لدى السوريين المتواجدين على الأراضي التركية.
وفي أحدث موقف حكومي يعكس تغير السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين، قال وزير الداخلية "سليمان صويلو"، إن اللاجئين سيعودون بالطبع إلى بلادهم، مؤكداً وجود خطط يتم العمل عليها من أجل هذا الأمر دون الإفصاح عن تفاصيلها، وأضاف أن بلاده تعتزم فرض قيود على السماح للسوريين من حملة هوية الحماية المؤقتة فيما يتعلق بإجازة العيد.
موقف الداخلية التركية جاء عُقب تصريحات للسياسي التركي " دولت باهتشلي"، الذي يتزعم "حزب الحركة القومية"، ويعتبر من أبرز حلفاء الرئيس التركي أردوغان، قال فيها إن "هدفنا الأساسي، هو توديع اللاجئين السوريين، بعد القضاء على الظروف القاسية التي دفعتهم إلى المغادرة، والانفصال عن بلادهم".
وأضاف أن حزبه من أكبر الداعمين لسياسة ضبط قضايا اللاجئين في تركيا، واصفاً ما سماها الهجرة غير النظامية بالغزو، وداعياً إلى ترحيل من يتم القبض عليهم في هذا الإطار إلى بلادهم فوراً.
ودعا باهتشلي في تصريحات نشرها موقع صحيفة "حرييت"، الثلاثاء، إلى ترحيل من يخلون بالأمن العام والمجتمعي داخل بلاده، ويخضعون للحماية المؤقتة من السوريين، قائلاً "يجب ترحيلهم على الفور خارج الحدود دون شفقة".
وشدد باهتشلي على أن اللاجئين السوريين الذين يمكنهم الذهاب إلى بلدهم خاصة في الأعياد، غير مضطرين للعودة، في إشارة واضحة إلى اللاجئين السوريين من حملة الإقامة المؤقتة الذين تمنحهم تركيا حق زيارة سوريا لقضاء إجازات عيدي الفطر والأضحى.
كما اتهم باهتشلي من وصفهم بالمحرضين، باستخدام اللاجئين السوريين ذريعة بهدف تضخيم الخلافات، محذراً من أن هذا التحريض يشكل خطراً وسيفتح الباب لنتائج كارثية على تركيا.
ويرى متابعون للشأن التركي أن تصريحات باهتشلي الأخيرة، تُعتبر تطوراً كبيراً في السياسية التركية تجاه اللاجئين السوريين، وأنها ستحمل تداعيات سلبية على الوجود السوري في تركيا، مشيرين إلى أن التصريحات الأخيرة حقيقية وجادة وتندرج في إطار استعداد الحكومة التركية وحلفاؤها لخوض الانتخابات القادمة العام القادم.
المعارضة التركية تصعد ضد السوريين
وعُقب تصريحات باهتشلي الأخيرة عن اللاجئين السوريين، أكد زعيم حزب النصر المعارض، "اوميت أوزداغ"، أن حزبه يُخطط للقاء قريب مع خارجية النظام السوري للتنسيق فيما يتعلق بإعادة اللاجئين.
وكان حزب الشعب الجمهوري المعارض قد علق، الاثنين الفائت، في مبنى الحزب بأنقرة لافتة حملت عنوان إما أن تقدم جواباً أو تقدم حساباً، وتضمنت اللافتة 4 أسئلة وهي "هل طلبتم من اللاجئين إثبات معلومات هويتهم الحقيقية، لماذا توزعون الجنسية عليهم إلى ماذا تستعدون، هل تقومون بعمل مسح أمني عند منح الجنسية للاجئين، لماذا تسمحون بعبور غير نظامي للاجئين".
وفي وقتٍ سابق أكد رئيس دائرة الهجرة في ولاية إسطنبول التركية "بيرم يالينسو"، على وجود تضخيم للحوادث المرتبطة باللاجئين السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى محاولات “كاذبة” لربطهم في قضايا عدة من بينها تسلمهم رواتب من الحكومة التركية ودخول الجامعات بدون امتحان.
وتُعد موجة التصريحات الحالية الداعية لإعادة السوريين إلى بلادهم، هي الأكبر من نوعها، منذ بدء استقبال اللاجئين السوريين عقب اندلاع الثورة السورية، واستخدام النظام السوري القوة المفرطة ضد المدنيين.
إيقاف الحماية المؤقتة لآلاف السوريين
وفي أواخر آذار الفائت أوقفت السلطات التركية قيود آلاف السوريين المشمولين بنظام الحماية المؤقتة المعروف باسم "الكملك"، ما أثار مخاوفاً كبيرة لدى اللاجئين السوريين، من احتمالية استغلال القرار من قبل بعض الولايات التركية في ترحيل اللاجئين السوريين بشكل قسري إلى سوريا.
وأشار تقرير سابق لـ"المجس" إلى أن دائرة الهجرة التركية بدأت في إيقاف وثائق الحماية المؤقتة للاجئين السوريين في البلاد، ممن لم يقوموا بتثبيت عناوين إقاماتهم بعد، مشيراً إلى أن معاملة تثبيت النفوس باتت تشكل عبئاً على السوريين في تركيا، وذلك لتعقيدها وحظر التثبيت في عدد كبير من الأحياء داخل الولايات.
ونقل عن العديد من اللاجئين السوريين في تركيا، قولهم إنهم قاموا في وقتٍ سابق بتثبيت عناوينهم واستكملوا كافة الأوراق الرسمية إلا أنهم فوجئوا، أمس الأربعاء، بإيقاف قيد الكملك الخاص بهم، بذريعة عدم تثبيت مكان السكن، معبرين عن استغرابهم من الإجراءات التي يتبعها نظام إدارة الهجرة في تركيا حيال اللاجئين السوريين.
ونقل التقرير مخاوف اللاجئين السوريين من أن تكون الإجراءات الجديدة نوعاً من الإجراءات التضييقية التي تستهدف اللاجئين السوريين بشكل خاص في تركيا، مشددين على أن توالي الخطابات العنصرية من المعارضة التركية، وازدياد عدد الأتراك المعارضين للوجود السوري في البلاد، قد يكون ساهم بشكل أو بآخر في إصدار السلطات التركية الإجراءات المذكورة، وذلك لأهداف انتخابية، على غرار ما تفعله أحزاب المعارضة.
من جانبها بررت السلطات التركية قرار إيقاف الكملك لآلاف اللاجئين السوريين بالقول، إن توقيف القيد يعود إلى عدم التحقق من تثبيت العنوان، مبينةً أن عناصر الشرطة التركية لم تستطع التأكد من عناوين عشرات آلاف السوريين المقيمين على أراضيها، والتي سبق وسجلوها لدى السلطات على أنها عناوين ثابتة لهم.
فيما قال وزير الداخلية التركي "سليمان صويلو قبل يومين، إنه نتيجة العملية التي يجريها ضباط إنفاذ القانون عبر زيارتهم عناوين اللاجئين السوريين، فقد تقرر أن 80 في المئة منهم يعيشون في عناوينهم المحددة، وبأن هذه النسبة ستصل إلى معدل 90 في المئة مع استمرار العملية، مشيراً إلى أن قرابة 120 و130 ألف سوري لم يتم العثور عليهم في عناوينهم، وظلوا معلقين لفترة طويلة جداً، وربما يكونون قد ذهبوا إلى خارج البلاد.
وقبل شهرين أطلقت السلطات التركية حملة إحصائية، جالت بموجبها الشرطة التركية في كافة ولايات البلاد، على عناوين السوريين المثبتة لدى دائرة الهجرة، للتأكد من وجود أصحابها داخل المنازل، فيما حال غياب الكثير من السوريين عن المنزل بسبب العمل أو أسباب شخصية أخرى، إلى عدم تثبت الشرطة التركية من العناوين الخاصة بهم، وهو ما تسبب بإيقاف قيود الكملك الخاص بهم في وقتٍ لاحق.
ومنذ مطلع العام الجاري، تتواصل سياسات التضييق المتعمدة التي تتبعها الحكومة التركية، والبلديات التابعة لأحزاب المعارضة التركية، على اللاجئين السوريين القاطنين في البلاد، وسط اتهامات بوجود قوانين تستهدف السوريين في البلاد بحجة منع التكتلات.
وتستضيف تركيا قرابة 3.7 مليون لاجئ سوري على أراضيها، وتعاني من أزمة اقتصادية حادة وسط هبوط مستمر لليرة التركية أمام العملات الأجنبية، فضلاً عن حملات عنصرية شرسة تشنها المعارضة التركية، وتتهم فيها الحكومة التركية بإغراق تركيا بالمهاجرين داعيةً إلى طردهم من البلاد.